التقارير

تقرير/مغاير شعيب ملحمة تاريخية أثرية سياحية

الرياض/عواطف الغامدي – مجلة عين المملكة

“مغاير شعيب” أو “مدائن شعيب” تلك الوجهة السياحية والأثرية في منطقة تبوك، والتي تضم آثاراً وسدوداً وزخارف لم تُغيرها عوامل التعرية على مدار السنين، فهي تمثل “البدع” الواقعة غرب مدينة تبوك، أحد أبرز المواقع الأثرية في المملكة تمثل مقابر منحوتة في الصخر بزخارف فنية، استقطبت الزوار من خارج المنطقة وداخلها، فضلاً عن زوارها القادمين من دول خليجية وعربية وأوروبية.

وتقع “مغاير شعيب” في محافظة البدع التابعة لمنطقة تبوك وتبعد بحوالي 225 كم, ويعود تاريخها إلى 100 عام قبل الميلاد، حيث كانت مستوطنة زراعية، وورد ذكرها في القرآن الكريم، وهي واحة قديمة سماها بطليموس بالعيينة، بها قبور منحوتة في الصخور ترجع إلى العصر النبطي كما يوجد بها موقع لمدينة قديمة من الفترة الإسلامية المبكرة تعرف باسم (الملقطة ), وتعد تلك الخرائب المتناثرة دليلاً واضحاً على أن أمماً كثيرة قد تعاقبت على سكن الواحة إبان ازدهارها التجاري والزراعي قبل الميلاد بعدة قرون، هذه الآثار المذهلة الثمينة نالت اهتمام عدد من المستشرقين منذ عقود عديدة فزاروها وكتبوا عما تحتويه من كنوز أثرية عالمية.

كما أطلق عليها الرحالة البريطانى ريتشارد بيرتون “مدينة الأموات “و«مدينة الأحياء” معا، حيث صنعوا من الجبال منازلهم وقبورهم جنبا إلى جنب، وأطلق عليها أيضا” مغاير شعيب ” لأن مدين التي عاش فيها قوم شعيب كانت تقع في البدع ، ويرجع إلى كونها مدينة قديمة جدًا عاصرت أزمنة مختلفة، وقد بعث الله سبحانه وتعالى إلى مدين شعيب نبيًا والبدع هي مركز مدين القديمة وقلبها النابض  بالحياة لكثرة الحركة التجارية، وقيل قد أسميت بالبدع إبان القرن العاشر الهجري، وذلك لبديع جمال الموقع وكثرة الأشجار والخضرة فيه على مدار العام، وعثر مؤخرا الباحثين على قطع خشبية لأشجار معمرة تشير بوضوح إلى أن البدع كانت مدينة ذو غابات كثيفة، كما شكلت الجبال المنحوتة، مغاير عجيبة تشبه إلى حد كبير واجهات قصور الأنباط في الحجر “مدائن صالح”، إلا أن مغاير شعيب لها خصوصيتها.

وتعتبر من أهم المعالم الأثرية وتضم 16مقبرة، ترجع إلى العصر النبطي، تضم كهوف وأضرحة نبطية محفورة بالصخر، وأسلوب الحفر يدل على مظاهر القوة ولاسيما التجويفات الكبيرة داخل الجبل، وقد نحتت الأضرحة المتعددة داخل هذه التجويفات الصخرية بشكل هندسي وأغلبها ذات مساحة واحدة، والمغاير كتب عليها من الداخل العديد من النقوش اللحيانية النبطية، وتعد دليل واضح على أمم كثيرة تعاقبت على سكن تلك الواحة إبان ازدهارها التجاري والزراعي قبل الميلاد بعدة قرون، كما يوجد بها موقع لمدينة قديمة من الفترة الإسلامية المبكرة تعرف باسم “الملقطة.

يجد المتتبع لتاريخ “مغاير شعيب” اندهاش وتعجب من خلال المنحوتات التي تعبر عن ملحمة تاريخية عظيمة، وإن كانت المغاير تعد كهوفاً ولكنها منحوتة داخل الجبال بطريقة هندسية رائعة، تَنمُّ عن حضارة قديمة، وداخل هذه البيوت غرف مفصلة تفصيلاً دقيقاً، شيدت مقابر داخلها، ورُسمت بعض النقوش والزخارف بطريقة هندسية دقيقة وعريقة، حيث تعاملوا مع الحجارة الصماء، وطوعوها كيفما شاءوا، ويلحظ الزائر لمغاير شعيب أن نحت البيوت هو من ناحية سفوح الجبال المائلة بطريقة عكسية تجنبا لدخول الأمطار داخل الغرف، أما موقع البيوت فجاء في منطقة مرتفعة لتجنب مواجهة السيول، أيضا خصوصا أن مدين تقع في وادي عفال أحد الأودية الكبيرة في المنطقة نفسها، كما وصفها خبراء الآثار وائل العيسى.

وكما ورد في المجلد الخامس من” معجم البلدان ” يقع في مدين البئر الذى سقى منه موسى عليه السلام لأبنتي شعيب عليه السلام، هذه البئر بنى عليها بيت لايزال اختلاف الآراء كبيراً في المنطقة حول حقيقة “عيون أو بئر موسى” و الموجودة على بُعد 20 كلم غرب، “مغاير شُعيب”، هذه المنطقة جذبت اهتمام العديد من الرحالة والجغرافيين، ويشير أحمد العطوي خبير الإرشاد السياحي إلى أن مدائن شعيب تحدث عنها كثير من المؤرخين بمن فيهم الغرب، ومما جاء في وصفهم أنها بانها تعود للحضارة النبطية، مضيفا أن «علماء التاريخ والحضارة والمهتمين بالآثار يعرفون مدى ما بلغته حضارة الأنباط من ازدهار وتطور في العصر الذي وجدوا فيه».

أما عن الأمة التي سكنت المنطقة هم قوم شعيب الذين بنوا المغاير، فقد بلغوا، بحسب عبد الله العمراني، مكانة كبيرة من العلم والمعرفة، ووصفهم بعض العلماء اللاحقين بعلماء الهندسة ومهندسي عهدهم. ويضيف بأنه «لا غرابة في ذلك الوصف، فلننظر كيف استطاعوا اختيار موقع البيوت في أعالي الجبال وأحكموا بناءها قبل أن يحفروا عليها وينقشوها بشكل هندسي موحد وفريد هو مأوى للأحياء منهم وكذلك مقابر لأمواتهم» لها طابعاً مميزاً لاحتوائها معظم هذه الآثار» وفي إضافة آخري: «أحسن ما يمكن أن توصف به قولنا إنها صخور رملية متآكلة، تحوي على مواد جيرية صلدة وثابتة اللون، وإنه ليبدو مذهلاً أن هذه الصخور رغم تقلب عوامل الجو كالرياح والمطر والشمس  عليها آلاف السنين فقد قاومتها وجعلتها عاجزة عن محو فن المعمار النبطي والهندسة المعمارية»، وتظل مغاير شعيب آثار تروى وملحمة تكتب على مر العصور. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى