التقارير

قصر السقاف معلم يجسد جمال البنيان وآصالة الماضي

أسيل الريس / مكة المكرمة / عين المملكة 
“فن العمارة هي المرآة التي تنعكس عليها ثقافات الشعوب ونهضتها وتطورها” هكذا ربط الكاتب الفرنسي فكتور هوغو فن العمارة بتطور الشعوب ونهضتها وهو بهذه المقولة أصاب لب الحقيقة.
فلطالما برزت حضارات الأمم من خلال مبانيها، فعلى مر العصور خلدت تلك المباني إنجازات صانعيها، بداية بالفراعنة ومروراً بالأندلس العريق وصولاً لعصرنا الحالي.
ولعلي اليوم ألقي الضوء على واحدة من أجمل البنايات في مملكتنا الحبيبة وهو قصر السقاف الكائن بمدينة مكة المكرمة وتحديداً في حي المعابدة بحارة تدعى الجميزة.
ويمتد بناء هذا القصر لأكثر من مئة عام ويمثل التصميمات المعمارية التقليدية بالأسس الفنية والتي تحمل في طياتها الطابع المعماري الإسلامي.
كان هذا القصر مملوكاً لآل الشيبي وقد أشتراه أحد أبناء محمد بن عمر السقاف بمبلغ 2500 ريال فرنسي.
وقد كانت أسرة السقاف من الأسر الثرية والتي امتلكت آنذاك عقارات كثيرة في كل من مكة المكرمة وجدة والطائف والمدينة المنورة .
وكان القصر يعتبر خارج مكة المكرمة آنذاك ولذلك أتخذه آل السقاف مصيفاً يقضون فيه عطلاتهم وسط البساتين والمزارع.
وقد كان اختيار الأسرة لمكان القصر يعود إلى مجاورته من مجرى عين زبيدة والذي سهل وصول الماء للقصر.
وقد وثق الوزير السعودي محمد عبده يماني في كتابه “أيامي” أن حدود مكة المكرمة من الناحية الشرقية ترتبط بالقصر الملكي، وقصر السقاف، وقصور أبا نمي في المعابدة آخر حدود المنطقة.
كما ذكر العديد من المؤرخين والمهتمين بالبنيان المكي أن هناك خطأ شائع بين الناس فقصر السقاف هو القصر الذي يجاور قصر البياضية المملوك للشريف آل غالب. وقد أغلق القصر بعد سفر آل السقاف إلى شرق آسيا وترك مفاتيحه مع تحسين سقاف للأشراف عليه، ثم جاء السفير السعودي في دول شرق آسيا السيد إبراهيم السقاف وكيلاً مشرفاَ على جميع العقارات والأملاك التي في الحجاز لعائلة أبناء عمه علي السقاف وأبناء محمد السقاف.
وبعد دخول الملك عبد العزيز-رحمه الله –إلى مكة عام 1343 هجرياً بايعه أهل مكة على الولاء والطاعة، وقد شهد قصر السقاف الاتفاقية الأولى لتسليم مدينة جدة للمك الموحد عبد العزيز آل سعود رحمه الله.
بعد وفاة الملك عبد العزيز عام 1373 هجرياً أصبح قصر السقاف مقرأً للديوان الملكي ثم مقراً لإمارة مكة المكرمة ومن ثم أصبح مقراً لرابطة العالم الإسلامي بأمر من الملك فيصل رحمه الله قبل تأسيس المبنى الجديد والذي انتقل إليه فيما بعد، ثم أصبح جزءاً منه وزارة المالية.
ومن أبرز المسميات التي أطلقت على هذا القصر “مدرسة الأمراء” فقد كان الملك عبد العزيز يصحب أبنائه إلى مكة في أوقات الحج ليتحول قصر السقاف إلى مدرسة لهم.
وفي حديث للملك سلمان قال عن تلك المرحلة ” كنا نفرح ونحن صغار عندما نأتي إلى مكة، ونستمتع بالإقامة فيها، والدراسة في قصر السقاف، حيث تنتقل مدرستنا،وأتذكر أنني كنت أبشر من يأتيني عند سماع قرار سفرنا مع الوالد”.

وهكذا وبما شهده قصر السقاف من أحداث تاريخية عظيمة فأنه يخلد في ذاكرتنا جمال البنيان وأصالة الماضي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى