التقارير

قرية الجهوة الأثرية في محافظة النماص

 جسدت عبق ماضيها العتيق ورائحة من سكنها وسطرت تحفة معمارية فريدة

عبدالإله الفارس  / الرياض – مجلة عين المملكة 

تقع قرية الجهوة الأثرية على حافة وادي النماص من جهة الجنوب ببلاد بني شهر، وقد تم ذكرها في كتاب (صفة جزيرة العرب) للهمداني. وبحسب الكتاب كانت الجهوة في عام 320 للهجرة مدينة كبيرة ذات سوق كبير يسمى سوق الرس يقع بسفح جبل الصفح الذي يقع شرق القرية وتعلوه المنازل اليوم. أما سورها فكان مبنيًا بالحجارة الضخمة التي لا زالت باقية حتى الآن، لكن من البقايا اللافتة في مدينة الجهوة الأثرية بعض مواقع الأفران التي كانت تستخدم لطرق الحديد، وهذه إشارة إلى أن سكان هذه المدينة مارسوا مهنة  تعدين الحديد وسبكه، وبإمكانك أن ترى ذلك عندما تمر عبر المزارع إلى الخرب، وهو موقع على تل صغير شرقي جبل الفرن في الاتجاه الجنوبي عند مدينة الجهوة، هناك ستشاهد آثار الأفران التي كانت فيما مضى مصانع للتعدين.
ولقد تم تحديد مدينة الجهوة القديمة التابعة لمحافظة النماص، والتي بدورها تتبع منطقة عسير، بجبل الصفح من الشرق، وجبل شعير من الجنوب، وجبل القو من الشمال، وغربًا جبل العديف المطل على وادي خاط. فهي مدينة تقع على حافة الوادي.
تاريخ يعود لآلاف السنين
تشير بعض الأبحاث والتقارير التي ساقها المؤرخون إلى أن عمر المدينة 4000 سنة، كما أورد المؤرخ اللبناني كمال صليبيا. ولقد قامت محافظة النماص التي تبعد 130 كم شمال أبها على أنقاض مدينة الجهوة التاريخية التي احتفظت بأساساتها وسورها المنيع، بينما نقل الناس كثيرًا من أنقاضها ليعمروا بيوتًا في مناطق أخرى قريبة، ولقد أقام سكان الجهوة الحاليون أساسات بيوتهم على تلك الأساسات القديمة قدم التاريخ. كانت المدينة التي غدت قرية تاريخية تتميز بموقع استراتيجي لافت، فهي منخفضة نوعًا ما وتحيط بها الجبال وتربتها خصبة جدًا، وبها مخزون وافر من المياه وقريبة من شفا تهامة، كما أن أهلها كانوا يتسوقون من أسواق تهامة في أوقات الشتاء وذلك عن طريق عقبة اليهوين (الجهويين) القديمة وهي طريق إلى الإصدار وإلى مدينة خاط في سهول تهامة.
الحي القديم في الجهوة
الحي القديم في الجهوة تحفة معمارية، تحفه المزارع من جهاته الأربع، فملامحه تحكي عن الفن المعماري الأصيل بدءًا من أحجار حصونه اللافتة والتي يصل حجمها إلى المتر والمتر والنصف، وكذلك سماكتها التي تصل إلى المتر. ولعل ما يميز الحي القديم إضافة إلى مزارعه هي حصونه التاريخية، وهي  ثربان وعابس ومشرف، ولقد لاقت اهتمامًا من قبل الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني.
وسط تلك المزارع الجميلة التي قامت على أنقاض مدينة الجهوة ستجد المزروعات تزهو مختالة  بثمارها وسنابلها اليانعة وأشجارها الخضراء، فأغلب ماء تلك المزارع من آبار قديمة على جوانبه، محفورة في صخر صلب، عميقة الغور، بعيدة العمق، كثيرة الماء، وهذا ميزة أخرى لمدينة الجهوة الأثرية.
وبعد الحي القديم الذي أصبح مزارًا سياحيًا وتاريخياً ، مرورًا بالنماص التي قيل إنها تدخل ضمن تحديد مدينة الجهوة، كما وصفها الهمداني في القرن الرابع الهجري فقال: «عقبة تصب مياهها إلى خاط، وهو واد، وساكنه بنو عامر الغورية من بني الحجر، وبخاط نخلات» لا بد أن تستنهض من هذا المكان الشعر والأدب، حيث أجواؤه البديعة تجعلك تقلب تاريخ المنطقة صفحة صفحة.

عبدالإله الفارس
مختص بالآثار والتراث

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى